| 0 التعليقات ]

الطب في التاريخ القديم

كان العلاج للعرض وليس للمرض ذاته
كانت من تجارب الشخص نفسه أو تجارب غيره على أنفسهم أو على غيره.
كذلك استفاد من التجارب التلقائية للحيوانات من حوله.

لقد ظهر أشخاص جذبهم هذا النوع من العلوم جعلهم يندفعون في جمع هذه المعلومات فكانت أول صور ممارسة مهنة التطبيب والمعالجة، وفي تلك الفترة كانت غالبية المعالجات تنحصر في المعالجات الجراحية من جروح وكسور وخدوش وتحتاج فعلا لمن يمارسها باستمرار فتزداد بذلك مهارته.

نعرف الكثير عن الأمراض التي أصابت الإنسان في عصر ما قبل التاريخ وذلك بفعل أثار التلف التي سجلت على عظام هذا الإنسان والتي بقيت عبر آلاف السنين مما مكننا من إدراك وجود عدد من الأمراض لدى إنسان ما قبل التاريخ مثل الحمى الروماتزمية والسل وأن العمليات كانت تجرى على الجروح الكسرية في الحروب أو في الحوادث.

لقد بحث الإنسان الأول عن سبب لهذه الأمراض حوله فلم يجد سببا مباشرا مما جعله يعزو ذلك إلى الآلهة الكثيرة التي كان ينسب إليها كل ما يخاف منه وكل ما لا يفهمه حوله, ثم فصل هذه القوى إلى قوى خيره تفيده وتعمل لصالحه وقوى شرّ تعمل ضد مصلحته.

ولما كان المرض هو نوع من الصراع مع المجهول، والمجهول شئ مخيف يصعب على الإنسان العادي مقاومته أو أن يخطط بشكل سليم للتغلب عليه, لذا نجد أن الإنسان القديم لجأ لمواجهه المجهول بالمجهول, فاقتنع بأن هناك أرواح شريرة لا يراها تحاربه وتسبب له المرض ولا سبيل إلى مكافحتها وإزالة المرض إلا بأرواح خيرة. . . ومن هنا ظهرت عبادات آلهة يلجأ إليها، آلهة للخير وآلهة للشر. . . وتخصص بعض الناس ليكونوا الصلة بين العامة وهذه الآلهة، فكان بيدهم حسب الاعتقاد جلب الخير وإبعاد الشر ومنه المرض.
فكانت طرق العلاج تتركز في:
1-   تقديم الأضاحي والقرابين وكان لكل حالة قرابينها الخاصة.
2-   يترافق مع القرابين ترتيل التعاويذ من قبل الكاهن والشخص المقصود.
3-   محاولة طرد الأرواح الشريرة باستخدام الأعشاب ذات الروائح الكريهة النفاذة.
4- إخافة الأرواح الشريرة باستخدام الأقنعة المخيفة من قبل الكاهن الذي كان يخيف الأشخاص العاديين أنفسهم وأحيانا كان المريض يلبس هذا النوع من الأقنعة.
5-   استخدام الأصوات العالية بقرع الطبول والنفخ بالبوق وأرسل الأصوات العالية والمزعجة.
6-   استخدام الجبائر وتثبيت الكسور ومعالجة الجروح.
7-   لم يشمل ذلك عمليات الولادة بل اعتبرت عمل نسائي خاص تقوم به السيدات كبيرات السن ولا دخل لغيرهن به.

مما سبق نجد أن أهم ما امتازت به تلك الفترة ما يلي:
1-   اعتماد عامة الناس على الكاهن في أغلب الأمور العلاجية والتطبيب.
2- مع ما شمل من أعمال الكاهن من عمليات معالجة فعلية باستخدام الأعشاب إلا أن أغلب أعمالهم امتازت بالسحر والشعوذة.
3-   كان اكتشاف طرق العلاج يتم في أغلبه عن طريق الغريزة والمصادفة.
4-   ظهرت أفكار فلسفية منها أن جسم الإنسان يتكون من جزأين. . . الروح والجسد
5- خافوا من الروح واعتقدوا أنها قد تعود لجسد صاحبها أو غيره كمذهب تناسخ الأرواح فكانوا يكرمون موتاهم فظهرت فكرة التحنيط.
6- مع أن المعلومات الطبية في بداية العصر كانت معلومات مشاع يتناقلها عامة الناس، إلا أنها في النهاية أصبحت حكرا على الكاهن أو ساحر القرية والذي زادت من مكانته وقدسيته.
7-   أغلب أنواع العلاجات كانت جراحية كعلاج الجروح والكسور.
8- ومن المفارقات التي نراها لدى تلك الشعوب أن الطبيب الداخلي أو الباطني والذي غالباً ما يكون كاهنا كان يلقى من الاحترام والتبجيل أضعاف ما يلقاه الطبيب الجراح.


الطب في بلاد مابين النهرين
يطلق هذا التعبير على البلاد الواقعة بين نهري دجلة والفرات حيث تشير الحفريات أن:
1-   الإنسان قد عاش في هذه المنطقة من حوالي 120 ألف سنة مضت.
2-   اهتدوا إلى الكتابة حوالي 3500 سنة ق. م.
3-   استخدوا (الرقم) للكتابة منذ 2000 سنة قبل الميلاد.

وهي تشمل الحضارة السومرية والدولة البابلية الدولة الأشورية.

الكتابة المسمارية كانت أول لغة مكتوبة بالتاريخ. دخل السومريون الحقبة التاريخية بهذه الكتابة المسمارية وورثها وورث حضارتهم بعد ذلك البابليون ومن بعدهم الأشوريون وقد تركوا آلاف الألواح الحجرية في أطلال حضارتهم العظيمة وكانوا يكتبون على (الرقم) وهي ألواح من الطين المشوي وكان ذلك منذ 2000 سنة قبل الميلاد.

طبقات الأطباء:.
1- العراف: اسمه ومهمته الإنذار والتشخيص ومعرفة أسباب المصائب.
2- الراقي: اسمه أشيبوا ومهمته طرد الشياطين من المريض ومن حوله.
3- الآسي: وهو الطبيب الفعلي المعالج بالأدوية ويقوم بالتدخل الجراحي.

درجات الأطباء:
1- أطباء مهمتهم علاج العائلة الحاكمة وحاشيتها يتحركون بتحركها.
2- أطباء يعالجون خارج نطاق البلاط الحاكم.
3- الحلاقون وكانوا يقومون بعمل الجراح وخلع الأسنان.
4- وهناك من الأطباء من تولى مهمة علاج الحيوانات.

شريعة حمورابي:
حمورابي كان من أشهر ملوك بابل 1793 -1750 ق. م  استطاع جمع بلاد الرافدين في دولة واحدة ووضع أول تشريع طبي عرفه التاريخ  حدد القوانين الخاصة بممارسة مهنة الطب وذكر في وثائقه مئات الرقم الطبية التي تعني بالعلوم الطبية.
ذكرت الجراحة في كسرتين الأولى تخص إزالة الماء الأزرق من العين والثانية تتعلق بعملية إزالة الجزء الملتهب من احد العظام، وتقرا: "إذا وصل المرض إلى داخل العظم فعليك أن تكشطه وتزيله".

المواد 215 - 223 من قانون حمورابي تعد من أقدم القوانين الطبية المعروفة وتبين المكانة المرموقة التي يتمتع بها الطبيب في عهده، وصرامة العقوبات التي يمكن أن ينالها الطبيب إذا فشل وهذا يدل على مدى الاهتمام بإتقان العمل الطبي.

وتنص المادة 215:
إذا أجرى جراح عملية كبيرة لنبيل من النبلاء بمبضع من البرونز وأنقذ حياة النبيل فيأخذ عشرة شيقلات (مثاقيل) من الفضة أجرة له، أما إذا تسبب في موت النبيل أو في تلف عينه فتقطع يد الجراح.
وتنص المادة 221:
"إذا جبر جراح عظيم نبيل من النبلاء أو إذا عالج عضلا ملتويا فشفاه فعلى المريض أن يدفع خمسة شيقلات (مثاقيل) من الفضة أجرة للجراح".

ويكون الأجر قل من ذلك إذا كان المريض من الطبقة العامة أو من العبيد. إذا كان المريض ولدا فيتقاضى الطبيب 3 مثاقيل من الفضة وعندما يكون المريض عبدا فأجر الطبيب  مثقالان من الفضة.

تتعلق المادة 224-225 بالطب البيطري: إذا عالج الطبيب ثورا أو حمارا من جرح خطير يتقاضى سدس مثقال من الفضة. كما يحبس من يتقاضى أجرا أكثر من اللازم.

ولا شك أن قانون حمورابي في الطب هو استمرار لفلسفته التي تنطلق من قانون "العين بالعين والسن بالسن " التي ذكرها، وهذا  العقاب الصارم ساهم في التحفظ من إجراء الجراحات في بلاد ما بين النهرين بشكل خاص وفي كل المنطقة العربية حيث مازال قانون العين بالعين والسن بالسن ساريا ومعروفا، وشجع ذلك من جهة أخرى على التعامل مع العقاقير المختلفة، ولكن قوانين حمورابي تشكل الحد الفاصل بين الممارسة الكهنوتية للطب وبداية نشوء الطب كمهنة يمارسها أطباء فقط.

ومما ينبغي ذكره هو وجود رمز للطب لدي حضارة مابين النهرين، وهو قضيب وأفعى، ويذكرنا بالرمز الحالي للطب على الرغم أن هذا الأخير قد أتانا من الحضارة الإغريقية.


ثم  أتت بعد ذلك الدولة الأشورية التي اشتهر من ملوكها (أرغون وأشور بانيبال)، وكانت لهم مكتبة اشتهرت في التاريخ، وكانت تحتوي على ثلاثين ألف لوح طبي تعد في التاريخ من ابرز نصوص مكتبة أشور بانيبال، وكانت تحتوي على سلسة تضم أربعين فصلا طبيا نستعرض أهمها:
·        الجزء الأول عبارة عن نصوص عن مستقبل المرض ومآل المريض.
·   والجزء الثاني اشتمل على 12 وثيقة مسمارية خصصت لدراسة الأعراض التي تطرأ على أجزاء الجسم الظاهرة، أي أنها اهتمت بالتشخيص أكثر من اهتمامها بالمرض أو نوعه.
·   أما الجزء الثالث فكتب على عشرة رقم، ومن الطريف أن الكاتب صنف تدرج المرض بالاستناد إلى بقائه يوماً واحدا أو يومين أو ثلاثة أو خمسة عشر يوما وإذا ما دام المرض شهرا أو شهرين أو أطول. مثلا "إذا استمر المرض أربعة أيام وبقي المريض يضع يده على بطنه من شدة الألم وكان وجهه مصفرا فانه سوف يموت " إذا ظل المريض بعد أربعة أيام أو خمسة فسوف يخف المرض.
·   أما الجزء الرابع فيضم عشرة رقم في الخدر وعدم القدرة على الجماع والهذيان والحالات النفسية كاختلال العقل والصرع.
·        والجزء الخامس وكتب على ستة ألواح فيتعلق بأم المستقبل أو المرأة الحامل والأمراض النسائية.

الطب عند قدماء المصريين

الحياة الاجتماعية والسياسية:
ظلت الحضارة المصرية القديمة شبه مجهولة فيما يتعلق بأسلوب الحياة وبمظاهرها المختلفة فترة طويلة من الزمن، وذلك بسبب عدم المعرفة بالكتابة المصرية القديمة (الهيروغليفية) حتى عام 1799 حيث عثر العالم شامبليون على حجر رشيد Rosetta Stone.

إن مصادر البحث عن التاريخ المصري القديم تمثلت في أربعة مصادر:
1-    البرديات وما اشتملت عليه من معلومات.
2-    الصور والكتابات المنحوتة على جدران المعابد والمقابر والمنازل والأواني  المزخرفة والتماثيل.
3-    المومياءات والهياكل العظيمة التي اكتشفت بكميات كبيرة في مقابر المصريين القدماء.
4-  المؤرخين اللاحقين الذين كتبوا عن مصر القديمة مثل هيروديت الإغريقي، وتيودور الصقلي، فقد أغنوا المصادر للباحثين في هذه الحقبة من التاريخ.

اقتصر الطب على كهان المعابد، فكان الكاهن هو الطبيب، وكان المعبد من الأهمية بمكان حيث التحقت مدارس الطب بالمعابد الكبيرة وكان يدرس فيها العلوم الطبية والنباتات الطبية.
وكذلك ألحق بالمعابد مع المدارس الطبية أماكن للعلاج والتداوي.

وكان علاج المرضى يتم في المعابد، فكان الكهان عند يقومون بالعلاج يلبسون جبة بيضاء ويحلقون شعورهم ومن أعمالهم أنهم كانوا يضمدون الجراح ويجبرون الكسور وكانوا يستخدمون لذلك بعض الآلات الجراحية التي توصلوا إليها.

الفلسفة الطبية المصرية القديمة:
1-    اقتنع المصري القديم بأن لكل عضو إله يحميه.
2-    قالوا بأن الهواء يدخل الجسم عن طريق الأنف والأذن.
3-    اعتقدوا بأن أصل الروح في القلب والمخ.
4-    اعتقدوا بأن الروح ستعود للجسم فاهتموا بعلم التحنيط الذي يتحتم قبله أن  يجيدوا علم التشريح.
5-    قسموا الآفات الجراحية إلى عفنة وطاهرة.
6-    دمجوا علم الكيمياء مع علم الصيدلة في علم واحد وسموه علم الأدوية.

ومن النصائح التي دعا إليها الأطباء المصريون القدماء:
·         حثوا على الاستحمام اليومي وإزالة شعر الجسم.
·         شجعوا على الحمية والصوم وتعاطي شربة مسهلة شهريا.
·         شجعوا على الزواج المبكر.
·         حرموا الإجهاض ولحم الخنزير.
·         نصحوا بالختان وحثوا عليه.
·         وقفوا على موضوع غش اللحوم ولم يتهاونوا فيه.
·    اهتموا بالصحة الغذائية فكانوا يكثرون من تناول الخبز حتى سموا "أكلة الخبز" وكان خبزهم يتكون من عجين خشن مع كمية من غلاف الحبوب والتين وحبيبات الحنطة والشعير.  طعام الأطفال كان يتكون من خبز الذرة واللبن والزيت.

العلاج عند المصريين:
إن الطب المصري القديم عرف بان المرض له أسباب أخرى غير الغيبيات، أسباب مادية تحتاج لعلاج مادي، فكانوا يجرون عمليات تضميد الجروح وتجبير الكسور، وكذلك عالجوا الأورام بالإزالة واستخدموا الكيّ والعلاج بالبرودة وكانت أدواتهم من حجر الصوان.
لم تسمح طبيعة الأرض والمناخ في مصر بان يكون هنالك الكثير من النباتات الطبيعية التي تنموا أصلا في مصر، فعلى سبيل المثال لم يكن الرمان من النباتات الأصلية في مصر، غير أنه ذكرت زراعته بكثرة وافرة في مصر عام 1100ق. م ومع ذلك اهتم الطبيب المصري القديم بدراسة النباتات البرية والمزروعة ودرسها من حيث صفاتها والأجزاء التي من الممكن الاستفادة منها وكيفية تحضير الجزء الفعال.
وقد ورد في البرديات المصرية أنهم كانوا يجهزون الأدوية على هيئات وأشكال منها:
أمزجة سائلة، وحبوب، ولعوقات، ومغليات، ومنقوعات، وسعوطات، وحقن شرجية، وغرغرات، وقطرات للعين وخلافه.
وأضافوا على أدويتهم العسل أو الحليب أو البيرة أو السوائل الطبية.
وكانوا يتبعون أساليب مختلفة ومبتكرة في تحضير هذه العقاقير منها:
التحميض، التجفيف، الغلي، الترشيح.
وكانوا يحفظون أدويتهم في أوعية زجاجية وفخارية وبشروط خاصة صحية

 وكانت عقاقيرهم من أصول مختلفة:
1- عقاقير من أصل نباتي: مثل الينسون، بذر الكتان، بذر الخروع، البصل، بذر الخس، البابونج، التوت، الثوم، الحنظل، حبة البركة، الحناء، الخشخاش، الخروب، الخلة، الزعفران، السمسم، الشعير، قشر الرمان، القرفة وغيرها.
2- عقاقير من أصل حيواني:غدد الثور، الجراد، الكبد، الدم، عسل النحل، دهن الأوز، لبن الحمارة، رحم الكلبة ودمها وروثها.
3- عقاقير من أصل معدني: برادة وخلات الحديد، حجر الجير، الرصاص، الطباشير، جبس، كبريتات النحاس، كربونات الصوديوم وغيرها.

ومن أمثلة علاجهم كما ورد في البرديات:
1-         أوجاع الرأس: الحنظل، الخشخاش، الكمون وبذر الكتان.
2-         احتقان العين: حنظل أخضر على ظهر العين، صدأ الرصاص فوق الجفن.
3-         الرمد الحبيبي: حنظل، سلفات النحاس فوق الجفن، ورق الخروع.
4-         عضة الإنسان أو الحيوان: شمع، نعناع فلفلي كدهان، صدأ الرصاص.
5-         الدمامل والخراج: لبخات مركبة من البلح والشمع، وزيت الخروع والحنظل.

البرديات الطبية أو القراطيس الطبية:
البرديات هي الأوراق المكتوبة على ورق البردي وقد حوت أبوابا عن الفروع المختلفة للطب: الباطني، والجراحي، والنسائي وأمراض الفم والأذن والعين.
وكذلك أسماء للأدوية وتأثيراتها في الجسم وما صنع منها ومقادير استعمالها وكيفيته.

أهم هذه البرديات:
- بردية جورج ايبرس:
سميت باسم العالم الألماني المختص بالآثار والذي وجدها سنة 1822م. وقد حفظت في إحدى الجامعات الألمانية (جامعة لايبزيغ)، ويعتقد أنها كتبت في زمن النبي موسى عليه السلام في منطقة هليوبوليس.
تحتوي هذه البردية على بقايا من الرسائل من عصر أكثر قدما من التاريخ الذي كتبت فيه، شأنها شأن بقية البرديات. يبلغ طول هذه البردية عشرون مترا وعرضها 30سم وتحتوي 811 وصفة طبية وبها 2289 سطرا، وهي تحوي وصفا دقيقا لأجزاء جسم الإنسان.
وقد أوضحت ما بها من معلومات معرفة المصريين القدماء لوظيفة القلب والأوعية الدموية، وقد كانت هذه البردية غنية بصيغة الأدوية وتركيبها مما عزز الاعتقاد أن الجانب الصيدلي عند قدماء المصريين لقي اهتماما كبيرا حتى فاق ذلك في الحضارة اليونانية على عظم إنجازها، وقد ضمت هذه البردية وحدها ما يناهز 700 دواء بما يقارب 811 وصفة.

وكمثال على الصيغ الدوائية التي ذكرت في هذه البردية إليك الصيغة التالية التي كانت تستعمل في علاج التقيحات.
البنج 2 مقدار                          Hyocyamus 2 ro
تمر 4 مقادير                                   Date 4 ro
نبيذ 5 مقادير                           ًWine 5 ro
لبن الأتان 20 مقدار                    Ass milk 20 ro
تغلي وتصفى ثم تؤخذ لمدة أربعة أيام.

ويلاحظ هنا وجود مقادير في تركيب الدواء وهو ما كان مفقودا عند البابليين والمقاييس هنا حجمية وتسمى ال  ROوهي تساوي 15مل تقريبا أو ملعقة كبيرة بلغة اليوم، كما يلاحظ توجيهات بتكرار استخدام الوصفات الواردة في البردية لمدة أربعة أيام.
كذلك جاء فيها عن بذر الكتان والخروع والأنتس والأبنوس:
" إذا ما نقعت جذوره في الماء حتى تذوب، ووضعت على رأس المريض فإنه يشفى في الحال كما لو لم يكن مريضا من قبل. فإذا كانت الشكوى من عسر الهضم فدع المريض يمضغ بعضا من ثماره مع الجعة فيطرد هذا المرض من جوفه. ولنمو شعر الرأس عند المرأة تدق ثماره وتعجن حتى تصير كتلة يجب على المرأة أن تنقعه في الزيت وتدهن رأسها به".

* بردية برلين:
تعود بردية برلين إلى الأسرة التاسعة عشرة 1300 ق. م وفيها تكرار ما ورد في برديات أخرى عن الروماتزم وفصل عن الأوعية،  وقد وجدت في الحفائر بجوار أهرام سقارة جنوب القاهرة بالقرب من "منف" عاصمة مصر القديمة. . . وقد أهديت إلى متحف برلين عام 1886م. احتوت على تشخيص عدد من الأمراض مع ذكر العلاج في 170 تذكرة طبية واحتوت على بيان بالعروق والدورة الدموية وبحوث في أمراض النساء. وقد ذكر جالينوس بردية برلين في كتبه عند ذكره للعقاقير التي يستعملها قدماء المصريين، ويبلغ طولها 5. 16 متر وعرضها 20سم.

* بردية هرست في كاليفورنيا:
عثرت عليه بعثة هيرست في دير البلاص سنة 1901م وتبين عند فحصها أنها لم تفتح قبل ذلك، ويرجع تاريخها إلى السنة التاسعة من حكم الملك "أمنوفيس الأول"، تحتوي هذه البردية على 260 وصفة بها 273 سطرا، وكانت مكتوبة بحيث يكون تركيب العلاج حسب الأعضاء، كذلك كانت مرتبة بحيث يكتب اسم المريض بالأحمر والوصفة بالأسود والمقادير بالأحمر.

* بردية لندن:
وضعت هذه البردية حوالي 1500 ق. م وحصل عليها المتحف البريطاني عام 1860م. وتحتوي على 63 وصفة لمعالجة أمراض النساء والولادة والعيون والحروق وفيها بحث في العلاج بالكي وطولها 210سم.

- بردية أدوين سميث:
اكتشفت هذه البردية في بئر في ضواحي الأقصر سنة 1861م. واشتراها العالم الأثري الأمريكي أدوين سميث وبعد وفاته أهدت ابنته " ليونورا سمبث " هذه البردية إلى الجمعية التاريخية بنيويورك.
هذه البردية تكشف الجانب الجراحي في الطب عند قدماء المصريين بالإضافة إلى عدم وجود السحر والشعوذة فيها، وتتميز بجديتها وأن المعلومات الواردة فيها كانت مرتبة ترتيبا جيدا، وقد درست من قبل العالم الأثري المختص في الحضارة المصرية جيمس هنري برستدJames Henry Breasted  من جامعة شيكاغو وقد كان صيدلياً مهتما بالآثار، وقد قام بعمل جليل يعتبر من أفضل ما كتب. يبلغ طول هذه البردية 4،68 مترا وعرضها 33 سم وعدد الأسطر فيها 469 سطرا وقد كتبت بلونين هما الأسود والأحمر وذكر بها ثمانية وأربعون حالة من حالات الجروح والكسور والتقيحات والأورام وكيفية علاجها ومن أهم ميزات هذه البردية ما يلي:
1- الشرح والتعليق عليها هو الأفضل من الناحية الصيدلانية خاصة إذا أخذ في الاعتبار أن العالم بروستد كان صيدلانيا بالإضافة إلى اهتمامه بالآثار.
2-  الحالات المرضية رتبت وفقا للأعضاء المصابة.
3-  صنفت الأحوال المرضية حسب درجة خطورتها.
4-  تعطي البيانات الوافية الخاصة بالأعراض المرضية التي تظهر على المريض.
5-  فيها ذكر حالة المريض بعد المعالجة.

بردية كاهون:
اكتشفها " فلندرس بيتري" عام 1889م في مدينة الفيوم وتضم معلومات عن الطب البيطري وأمراض النساء.

بردية شيستر بيتي:
تعود للأسرة التاسعة عشرة 1300 ق. م  وهي موجودة في المتحف البريطاني.

بردية كارلزبرغ:
في كوبنهاجن وتعود إلى 1200ق. م  ومتخصصة في طب العيون.

بردية ليدن:
وفيها وصف للأمراض المعدية وكيفية انتشار العدوى.



الطب عند اليونان
إن أقدم ما وصل إلينا من التاريخ اليوناني يعود إلى زمن الأساطير التي سجلها هوميروس في ملحمتيه الإلياذة والأوديسة علما انه كان يعيش حوالي القرن التاسع أو الثامن قبل الميلاد. لم يذكر هوميروس الأطباء ولا مهنة الطب في إلياذته, ولكن ذكر العديد من الأمراض والإصابات الحربية نتيجة لحرب طروادة.

إن من الثابت أن الكثير من العلماء اليونانيين كانوا يزورون مصر ويمضون بها أوقاتا ليست بالقليلة يجتمعون فيها مع علمائها يجمعون نتاجهم ويكتبوه ويضيفوا عليه دون ذكر المصدر الفعلي فيبدوا وكأنه صدر منهم وكأنهم أصل هذا العلم, ومن هذه العلوم الطب والصيدلة. أن هذا لا يقلل من شأن العلماء اليونانيين إذ أن إضافاتهم وتجاربهم كان لهم اثر كبير في تقدم العلوم جميعا.

الطب اليوناني:
يقول المؤرخون أن الأمراض لم تكن ذات خطورة عالية في مناطق الحضارة اليونانية وذلك للأسباب الآتية:
1-         أن الشعب اليوناني بطبعه يحب الأجواء المفتوحة خارج المنازل فيتعرض للشمس والهواء بكثرة.
2-         في أول عهدها لم تكن المدن اليونانية مزدحمة.

لقد اهتم اليونانيون بإنشاء مدارس لتدريس الطب والعلاج منها:
مدارس أثينا, وكوس وكيندوس.

لقد انقسم الطب في الحضارة اليونانية إلى ثلاث مراحل أساسية هي:
1- مرحلة الطب اللاهوتي.
2- مرحلة الطب الفلسفي.
3- مرحلة الطب التجريبي.

مرحلة الطب  اللاهوتي:
في هذه المرحلة كانت الأمراض والعلاجات أمور غيبية, أي أن القوى العلوية هي التي تتحكم بجسم الإنسان, وظنوا أن الأمراض عبارة عن نوع من الأجسام السماوية يتساقط رمادها على الأرض فيعم البلاء والمرض لذا من المنطقي أن يقرن العلاج بقوى علوية أو آلهة, ومن الغريب أنهم كانوا يسمون هذه الآلهة بأسماء من بزغ اسمه من العلماء والأطباء ومن أشهر هذه الأسماء:
1-        أبولون Apollon: قالوا أنه أول حكيم تكلم في الطب وأول من استنبط حروف اللغة الإغريقية, جاء بعد موسى عليه السلام.
2-        هايجى Hygie: معبودة اليونان, إلهة الصحة وقيل عنها أنها ابنة إله الطب.
3-         بلوتون Ploton: إله الموت والمرض.

كان العلاج في تلك الفترة بالدرجة الأولى نفسي, روحاني مع استخدام بعض الأدوية والعقاقير.

ومن أشهر أطباء هذه المرحلة اسكولابيوس.

مرحلة الطب الفلسفي:
حاول العلماء في هذه المرحلة فلسفة الأحداث وإيجاد علاقة بين الأحداث التي تحدث في مكان واحد أو في زمان واحد, ولما كان يصعب إثبات العلاقة فعليا كان لابد من محاولة إيجاد علاقة نظرية فلسفية. ومن النظريات التي اعتمدوها في هذه الفترة:
1-  نظرية العناصر الأربعة: حيث قالوا أن جميع الموجودات تتكون من أربعة عناصر أساسية هي الماء والهواء والتراب والنار.

2-  نظرية الأخلاط الأربعة: مفادها أن جميع أعضاء الجسم الذي له دم تتكون من الأخلاط الأربعة:
* الدم:         الذي يأتي من القلب.
* البلغم:       الذي يأتي  من الدماغ ثم ينتشر في جميع أنحاء الجسم.
* الصفراء:    ويفرزها الكبد.
* السوداء:    وتأتي من الطحال والمعدة.

وقالوا إنه لاستقامة الجسم يجب أن يكون هناك توازن بين هذه العناصر والأخلاط, أما إذا اختل منها أي عنصر اختل الجسم وحدث المرض وبدءوا يبحثون عن مكونات هذه العناصر في الطبيعة من الأعشاب ومحاولة استخدامها في العلاج.

ومن أشهر أطباء هذه الفترة: أبقراط, أرسطو, نيوفراست وأفلاطون.

مرحلة الطب التجريبي:
أهمل الطب تقريبا بعد أبقراط حتى عهد الملك الاسكندر الأكبر الملقب بذي القرنين الذي حاول إعادة الحضارة لقوتها من جديد مع الاستفادة بالنظريات والفكر السابق, فكان في هذه الفترة مناقشة تجريبية للأحداث، فتم التخطيط لإنشاء مدينة الإسكندرية في سنة 333 ق. م كمدينة مثالية في ذلك الوقت فتهافت عليها العلماء من كل حدب وصوب، الشيء الذي أدي إلى توسع العلوم والفنون ومنها كان علم الطب والعلاج وأنشئ في الإسكندرية مدرسة للطب تخرج منها فيما بعد أشهر العلماء ومنهم جالينوس.

بعد ذلك ظهرت في الإسكندرية ثلاث مدارس للطب:

1-        مدرسة تدين بمبادئ هيروفيل = الفرقة التجريبية.
2-        مدرسه تدين بمبادئ إرسيسترات = الفرقة المنهجية.
3-        مدرسة أقامها تلاميذ هيروفيل جاعلين المعرفة عن طريق التجربة والمشاهدة هي رائدهم.

لذلك كان من مميزات مدرسة طب الإسكندرية:
·                     مثلت العهد التجريبي في الطب.
·                     كانت مركز إشعاع للعلوم الطبية.
·                     تم تأسيس العديد من المختبرات الكيميائية فيها.
·                     درس فيها علم وظائف الأعضاء بتوسع.
·                     كانت وراء تطور صناعة ورق البردي.
·                     مكتبتها احتوت على 700 ألف مجلد.
·                     زرعت الكثير من النباتات الطبية في حدائقها.
·                     تم بناء العديد من المدرجات فيها بغرض تشريح جسم الإنسان (أجسام المجرمين الذين حكم عليهم بالإعدام).

أطباء العهد اليوناني
الطبيب اسكولابيوس (صقلاب)
)الملك - النبي - الحكيم - الإلهي )
مع بدء القرن السابع قبل الميلاد أخذ اسم اسكولابيوس يحل تدريجيا محل ابولون الذي كان يعتبر إله الطب في معتقدات اليونانيين, لقد علم القنطرون شيرون Centour Chiron  اسكولابيوس علومه الصيدلية عن الأدوية النباتية التي كانت تنمو في سهول صقلية. وما أوجده أسكولابيوس استمر شعارا للطب في العالم وهو العصى والأفعى بينما الإناء والأفعى كما ظهر مع تمثال ابنته Hygeia  (إلهة الصحة عند اليونانيين) أصبح شعارا للصحة ثم اعترف به شعارا للصيدلة في العصر الحديث.
وبقي أسكولابيوس معتبرا كإله الطب وابنا ل (أبولون ) في كثير من البلاد التي احتلتها جيوش اليونان زمن الإسكندر المقدوني, وقد أقيمت له تماثيل تصوره شابا جالسا يقبض بيده على ساق شجرة تلتف عليها أفعى ويقف خلفه ديك متحفز, وترمز الأفعى للخدر أما الديك فيرمز للحيوية والشباب والشجرة رمز النباتات الطبية التي تصنع منها العقاقير. وقد جاء اسم أسكولاب في الإلياذة حيث قيل أنه ابتدأ ملكا تعلم الطب على يد شيرون وانتهى كإله للطب عند اليونانيين, وقد اشتهرت له ابنتان (هيجيا Hygeia) و(باناسيا Panacea) وحذر عائلته من اطلاع الغرباء على المهنة حتى بقيت المهنة محتكرة من قبل عائلته, وكان التعليم بالمخاطبة فلم يكن هناك كتب مدونة, أما إذا اضطر أحدهم إلى التدوين فكان يلجأ للألغاز والطلاسم التي لا يفهمها سواهم حتى لا يتعلم غيرهم فن المداواة والتشخيص.

أبقراط  Hippocrates
"أبو الطب"
ولد أبقراط سنة 460 ق. م في جزيرة صغيرة من الجزر اليونانية هي جزيرة (قوص أو كوس) وهي احد أهم ثلاثة أماكن يدرس فيها الطب مع أثينا وقنديس (كيندس). . . . وهو من نسل اسكولابيوس, أصل اسمه اليوناني ويعنى القابض على عنان جواده "الفارس الماهر".
ورث الطب عن أبائه وأجداده وأصبح عالما في سن السادسة عشرة. كان معاصرا لأفلاطون وزار مصر وبقى فيها سنتين حيث كان يحب الترحال والتنقل, توفى وعمره 83 عاما وقيل 95 عاما, وترك الطب بين يدي أبنائه وتلاميذه.

وكان أبقراط ضليعا في العلوم الطبية فأدخل الطب في إطاره العلمي مستعملا الفحص السريري والاستنتاج المنطقي السليم. وقد سمي أبقراط عند العرب "أبو الطب" لكثرة ما أدخله في الطب من علوم, فقد فصل الطب عن الكهانة والممارسة اللاهوتية ووضع له أسسا قوية مبنية على العلم كما ألف عددا كبيرا من الكتب قيل أنها بلغت ستين مؤلفا أشهرها كتابه (المقالات في الطب). كذلك بدأ نشر صناعة الطب وكسر نطاق السرية من حوله وعلمه للمحليين فضلا عن الغرباء, وكتب فيه المؤلفات وكون بذلك أول مدرسة اشترط فيها لمن يترشح لتعلم الطب صفات لا بد من توفرها.
صفات المرشح لتعلم الطب عند أبقراط:
يجب أن يكون صغير السن, جيد الفهم, حسن الحديث, صحيح الرأي, عفيفا وشجاعا, مالكا نفسه عند الغضب, حافظا لأسرار المرضى, مشفقا على المريض.

الدواء والعلاج عن أبقرط:
تعتبر المجموعة الأبقراطية وجود أربعة أخلاط Humors, والائتلاف بين هذه الأخلاط أو العناصر بقيت الأساس لنظرية الصحة والمرض, وأن مؤلفي المجموعة الأبقراطية كانوا يعتقدون بالقياس والتجربة, وأن المرض عرض غير طبيعي, معتقدين بقوة الطبيعية على الشفاء، وهنا يأتي دور الطبيب في مساعدة الطبيعة على أن تساعد نفسها لضبط الاضطراب الحاصل في هذه الأخلاط.

فالأشياء مؤلفة أساسا من أربعة عناصر هي: الحار، البارد، الرطب والجاف، والجسم يتكون من أخلاط أربعة هي: البلغم، الدم، الصفراء والسوداء، فمثلا:
فالدم          حار رطب
والنار         حارة جافة
والأرض        جافة باردة
والصفراء      حارة جافة
والسوداء      جافة باردة
والبلغم         رطب بارد.
لقد احتل النظام الغذائي مكانا مهما في المجموعة الابقراطية فقد شملت على الكثير من الأدوية ذات المصدر النباتي والتي تراوحت بين 200 – 400 عقار. والطرق الصيدلانية التي نراها في المجموعة الابقراطية متعددة وتشمل تحضير الكمادات، والطلاءات، والغرغرات، والحبوب والتحاميل المهبلية والمراهم والزيوت والشمعيات والقطرات وأقراص المص والتبخيرات. وقد عرفوا المخدرات والمسكنات مثل عصير الخشخاش وبذور البنج وغيرها.

وأن ورود المسهلات والملينات والمقيئات والمعرقات تعزي إلى النظرية الابقراطية التي كانت تلزم في أولى مراحل المعالجة وهي مرحلة العلاج التطهيري بأن ينظف الجسم من المرض الناجم عن زيادة الأخلاط، فهذا التنظيف مثل التطهير البدني.

وحسب المدرسة الأبقراطية فقد قسمت أسباب المرض إلى نوعين:
1-               أسباب بعيدة: تكون ناتجة عن عوامل الجو والإقليم أو الأطعمة المتناولة من قبل المريض.
2-     أسباب قريبة: ناتجة عن فساد أو سيطرة واحد من الأخلاط الأربعة التي يتكون منها الجسم ولذالك لابد من معالجة الأمراض بالطرق والوسائط التي تؤدي إلى إنضاج الأخلاط وإخراجها من الجسم وعند امتزاج العناصر امتزاجا محكما في الكيفية والكمية وكان الامتزاج متناسبا تمتع الجسم بصحة جيدة ولكن إذا زاد أحد العناصر أو نقص أمتنع عن الامتزاج بالعناصر الأخرى وحدثت الأمراض وأكثرها ناجم عن ازدياد البرودة أو الحرارة. وهناك تماسك وتضامن في أعضاء الجسم ووظائفه فإذا اشتكى عضو تداعت له سائر الأعضاء.

ومن مبادئ المدرسة الابقراطية محاكاة الطبيعة فقد اتضح لأبقراط بالملاحظة أن هناك طبائع للأمراض لا تتغير وذات صفات ثابتة، ولكل مرض تطور طبيعي ونضوج محدد السير والمصير وهناك مبدأ بسيط واحد في ذاته متعدد في مفعوله، هو الطبيعة، وهذا المبدأ يقول بإشراف الطبيعة على جميع الوظائف الحيوية بالجسم فيقاوم العناصر الهدامة في هذا الجسم، وعلى الطبيب مساعدة الطبيعة لكي تقوم بعملها في هذا الاتجاه  ولابد للطبيب  أن يعرف النقطة الفاصلة في مسار المرض التي تؤذن بالاتجاه إما نحو التحسن وإما نحو التفاقم: أي أن القوة الطبيعية الشافية هي حجر الزاوية في الطب الإبقراطي لذلك يجب على الطبيب أن يكون حذرا وألا يتسرع بالتدخل في سير المرض خوفا من أن يحول دون عمل الطبيعة ولكن إذا حدث تأخر في ظهور النقطة الفاصلة فعليه أن يساعد في إزالة المواد السقيمة بواسطة المسهلات والمقيئات والمعرقات والفصد.
فأمراض الرأس تعالج بالغرغرة، وآلام المعدة تزول بالتقيؤ، وما في البطن بالإسهال وبين الجلدتين بالتعرق وما بداخل البدن بالفصد.
لقد وصف أبقراط بعض الأمراض وصفا دقيقا مثل السل والصرع والحميات المختلفة. وفي وصفه المشهور بـ "الطلعة الابقراطية" أشار فيها بدقة إلى العلامات التي تنذر بالموت القريب فقد وصف 42 حالة مرضية بدقة كان 25 منها مصيرها الموت.
لقد امتاز أبقراط عن جميع من سبقه من الأطباء بأنه كان الأكثر ميلا للتجربة منه للفلسفة وليس أدل على ذلك من قوله "الطب تجربة وقياس" ولقد أهمل الطب التجريبي من بعده وغلبت على الأطباء صفة الفلاسفة من جديد.

مميزات المدرسة الابقراطية تشمل ما يلي:
1-        اهتم بالتجربة والملاحظة فاعتبر الطب قياسا وتجربة.
2-   أول من أعطى تفسيرا منطقيا عن المرض بناء على نظرية الأخلاط الأربعة.
3-   اعتبر المرض عارضا طبيعيا وليس من فعل الشياطين أو الأرواح الشريرة وأن ظواهر المرض ما هي إلا رد فعل طبيعي لمقاومة هذا الجسم لهذا التغيير.
4-   أسباب المرض قريبة (فساد الأخلاط ) أو بعيدة من البيئة والأطعمة.
5-   اعتبر ارتفاع الحرارة دليلا على مقاومة الجسم للمرض والتعرق دليل الشفاء.
6-   جميع الأمراض وخاصة المعدة أو داخل البدن تنتهي بالاستفراغ.
     
كذلك من فلسفته في وصف الدواء ما يلي:
1-   لم يكن أبقراط يحب استعمال العقاقير إلا بعد أن  يتأكد بأنه لا سبيل لغيرها.
2-   كان يحبذ مساعدة الطبيعة في مقارعة المرض فاهتم في علاجه بالحمامات والتبخير والكمادات الحارة.
3-   إذا اضطر لاستخدام الأدوية كان يفضل البسيطة منها.
4-   لا يستخدم في وصفته لمرض واحد أكثر من 4-5 أدوية.
5-   من الأدوية التي استخدمها: المسهلات مثل زيت الخروع، الثوم، البصل، اليقطين، الخشخاش والأفيون.
6-   اهتم بطب المرأة وما يخص أنوثتها وجمالها وما عليها أن تفعل أثناء الحمل والولادة والنفاس.

مؤلفات أبقراط: (ترجمت هذه المؤلفات إلى العربية وكان لها أهميتها مع تفسيرات جالينوس)
1-   كتاب الجنين ويتضمن ثلاث مقالات.
2-   كتاب طبيعة الانسان ويتضمن مقالتين في طبيعة الأبدان وتركيباتها.
3-   كتاب الأهوية والمياه والبلدان وهي ثلاث مقالات.
4-   كتاب الفصول وهو سبع مقالات ضمن تعريف لتعابير الطب.
5-   كتاب الأنظمة في الأمراض الحادة ويتضمن ثلاث مقالات في تدابير الغذاء والاستفراغ في الأمراض الحادة والمعالجات المختلفة.
6-   كتاب الأمراض الوبائية في سبع مقالات للأمراض الوبائية، تعريفها، تدبيرها وعلاجها.
7-   كتاب الغذاء أربع مقالات في علل الأغذية وأسبابها التي تزيد في البدن وتنميه وتخلف عليه بدل ما انحل منه.
8-   كتاب عيادة الطبيب ثلاث مقالات فيما يحتاجه الطبيب من أعمال الطب التي تختص بعمل اليدين دون غيرها من الربط والشد والجبر والخياطة ورد الخلع وعمل الكمادات.
9-   كتاب الكسر والتجبير في ثلاث مقالات.
10-         كتاب أوجاع النساء في مقالتين للأمراض التي تتعرض لها المرأة خاصة.
11-         كتاب الأخلاط بثلاث مقالات وفيه تذكر كمية الأخلاط وكيفيتها وأعراض اختلالها.
12-         كتاب مقدمة المعرفة مقالات عن الحالات التي يقف بها الطبيب على أحوال المرضى.

من نصائحه وإرشاداته:
·                   استهينوا بالموت فإن مرارته في الخوف منه.
·                   كل عليل يداوى بعقاقير أرضه.
·                   الإقلال من الضار خير من الإكثار من النافع.
·                   أنا وأنت والعلة ثلاث فإن أعنتني بالقبول لما تسمع صرنا اثنين وانفردت العلة وتغلبنا عليها.
·                   للقلب آفتان هما: الفم والهم.
·                   الأمن مع الفقر خير من الغنى مع الخوف.

قسم أبقراط:
وهو أول نص يبين آداب مهنة الطب:
"أقسم بالله رب الحياة والموت وواهب الصحة، وخالق الشفاء وكل علاج، وأقسم باسكليبوس وأقسم بأولياء الله من الرجال والنساء وأشهدهم جميعا على أني أفي بهذا اليمين وهذا الشرط:
أن معلميني هذه الصنعة بمنزلة آبائي، أواسيهم في معاشي وإذا احتاجوا إلى مال واسيتهم وواصلتهم من مالي.
وأما الجنس المتناسل منه فأرى أنه مساو لإخوتي وعليّ أن أعلّمهم هذه الصناعة إن احتاجوا إليها بغير أجرة ولا شرط وأن أشرك أولادي وأولاد المعلم لي والتلاميذ الذين كتب عليهم الشرط أو حلفوا بالناموس الطبي، أن أشركهم في تعلّم التوصيات والعلوم وسائر ما في هذه الصنعة. وأما غير هؤلاء فلا أفعل بهم ذلك. وأن أعمل بقدر طاقتي في جميع التدابير لمنفعة المرضى، وأما الأشياء التي تضر بهم وتدني منهم الجور فأمنعها بحسب قدرتي، وأن لا أعطي إذا طلب مني دواء قاتلا ولا أشير بمثل هذه المشورة، كذلك لا أرى دوري أن أصف دواء يسقط الجنين، وأحافظ في تدبيري وصناعتي على الزكاة والطهارة ولا أشق عمن في مثانتة حجارة ولكن اترك ذلك لمن كانت حرفته هذا العمل. وكل المنازل التي أدخلها أعمل لمنفعة المرضى، وأما الأشياء التي أعاينها في أوقات علاج المرضى أو أسمعها في غير أوقات علاجهم فأمسك عنها".

فمن أكمل هذا اليمين ولم يفسد شيئا كان له أن يكمل تدبيره وصناعته على أفضل الأحوال وأجملها وأن يحمده جميع الناس ومن تجاوز ذلك كان لضده.

قسم الطبيب المسلم

بسم الله الرحمن الرحيم
أقسم بالله العظيم
أن أراقب الله في مهنتي، وأن أصون حياة الإنسان في كافة أدوارها في كل الظروف والأحوال، باذلاًً وسعي في استنقاذها من الموت والمرض والألم والقلق وأن أحفظ للناس كرامتهم وأستر عورتهم وأكتم سرهم، وأن أكون على الدوام من وسائل رحمة الله باذلاً رعايتي الطبية للقريب والبعيد والصالح والخاطئ والصديق والعدو وأن أثابر على طلب العلم وأن أسخره لنفع الإنسان لا لأذاه، وأن أوقر من علمني, وأعلم من يصغرني وأن أكون أخاً لكل زميل في المهنة الطبية في نطاق من البر والتقوى، وأن تكون حياتي مصداق إيماني في سري وعلانيتي نقياً مما يشينني أمام الله ورسوله والمؤمنين والله على ما أقول شهيد.

أرسطو
"المعلم الأول"
اسمه أرسطوطاليس ولد في أسطاجيرا سنة 384 ق. م اشتهرت عائلته بالطب حيث كان والده طبيبا للمقدونيين والمقرب لديهم، تتلمذ على يد أفلاطون ثم رحل إلى المقدونيين ليساهم في تربية الإسكندر المقدوني وبقي هناك أربع سنوات حتى نودي بالإسكندر ملكا فعاد أرسطو لأثينا.

بعد موت الاسكندر المقدوني في سنة 323 ق. م اضطهده اليونانيون فهرب بنفسه حتى مات في 322 ق. م عن 62 عاما.

لقّبه العرب باسم "المعلم الأول" واشتهر كفيلسوف أكثر منه كطبيب وكان يفضل أن يلقي محاضراته وهو يمشي مع طلبته فسميت مدرسته "مدرسة المشائين". من أشهر مؤلفاته "كتاب الحيوان" وهو أول مؤلف في هذا المجال.

الفصل الخامس
الطب في عهد الرومان
تفسخت الإمبراطورية اليونانية بعد وفاة الاسكندر وكثرت فيها النزاعات فسقطت دويلة دويلة في أيدي الرومان حتى سقطت أثينا نفسها سنة 146 ق. م. لا يفوتنا أن ننوه بأن الحضارة الرومانية هي امتداد للحضارة اليونانية فيما يتعلق بالعلوم الطبية والصيدلانية، وبسبب سقوط اليونان في يد الدولة الرومانية فإن الكثيرين من العلماء اليونانيين هاجروا إلى مدينة روما حيث الازدهار والغني ومن جملة هؤلاء المهاجرين الأطباء والمهتمون بالعلوم الصيدلانية.

وكان من أهم مميزات الفترة الرومانية:
1- اهتم الرومان بالوقاية أكثر من العلاج ويدل على ذلك كثرة الحمامات العامة في مدنهم وكثرة اهتمامهم بالرياضة وصيانة الصحة.
2- انتشرت الحانات الطبية حيث يتم فيها تحضير الأدوية وقطرات العين ضمن آنية صغيرة مختومة بختم الأطباء المشتغلين فيها.
3-  كانت حروبهم كثيرة مما اقتضى العناية بالجرحى وإجراء بعض العمليات الجراحية ولذا تقدم الطب الجراحي لدى الرومان.
4- من أشهر العمليات في روما في ذلك العهد تلك العملية التي أجريت لوالدة الملك نمايوس يوليوس الملقب بالقيصر Caesar ومعناه السليل لأن والدته ماتت وهي تلده فتم شق بطنها لاستخراجه فصارت هذه العملية تسمى باسمه (القيصرية) منذ ذلك الحين، كما أن القيصر صار لقباً لملوك روما بعد ذلك.
5-  من أشهر أطبائهم: سلزوس، ديسقوريدس، جالينوس، اسكليبياد.
6- اشتهر بعض الأطباء من الأصل العربي مثل كوسيم Cosme الذي أطلق اسمه على المواد المستعملة في التجميل Cosmetics.


من أطباء العهد الروماني

سلزوس: كورنيليوس سلس Cornelius celse:
طبيب عاش في روما، ألّف ثمانية كتب في الطب لعل أشهرها موسوعته المعروفة باسم (العلاجات De Remedica) جمع كل ما عرف من عقاقير طبية كانت تستعمل في زمانه. وكان التأثير الأبوقراطي عليها واضحاً. اهتم بعلم الجراحة ووصف الالتهابات بعلاماتها الخمس: الاحمرار(Redness)، الورم (Swelling)، الحرارة (Hotness)، والألم (Painful)، باللمس (Tenderness)، وتحدث عن البتر وقال أنه آخر العلاجات، ومع اهتمامه بعلم الجراحة إلا أنه دعا الأطباء إلى تعلم الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء) وعدم الاعتماد على تشريح الجثث مطلقاً، مبيناً عدم صحة المقارنة بين جسم حي وآخر ميت.
مواصفات الجراح الجيد عند سليزوس:
أن يكون الجراح فتى أو أكبر من ذلك قليلاً، ثابت اليد، مستخدماً ليده اليسرى كاستخدامه ليده اليمنى، حاد البصر, صافي الذهن، متزن، قلبه مفعماً بالرأفة والشفقة ولا يطيل العملية أو يقصرها دون دواعي.



جالينوس Galen. Galinus  (200 – 130ق. م):
"البديع القول عملاق الطب والصيدلة كلوديوس جالينوس".
جالينوس: تعنى المسالم أو الهادئ.
ولد جالينوس في مدينة برغام Pergamon (131 ق. م) في آسيا الصغرى وتقع شمال مدينة أزمير التركية، ولما بلغ العشرين من عمره توجه إلى الإسكندرية حيث تعلم الطب في مدرستها ثم عاد إلى مدينة برغام ليعين طبيباً في مدرسة لتعليم المصارعة ولم يمكث في العمل طويلاً حيث سافر إلى روما ليصبح من كبار أطبائها. لمع جالينوس في روما كطبيب حاذق وأستاذ لا نظير له في التشريح وكان من بين من عالجهم وشفوا الإمبراطور مرقص أوريليوس.

بقيت مؤلفات جالينوس وآراؤه المرجع الوحيد للأطباء خمسة عشر قرناً ولم يكن أحد ليجرؤ على أن يطعن في كتبه وآرائه. ويرجع ذلك للطريقة التي ابتدعها في التشريح المرضى وفي العلاج ثم للمنطق الذي حكم طريقته ومدى الاحترام والتبجيل لسلطته الطبية وقد كان يعتبر نفسه في مهمة لتكملة وتنظيم العمل الذي جاء به أبو الطب (أبقراط). . . وهذا ما كان يسمى بالجالينوسية Galenism.

كان جالينوس يقوم بتحضير أدويته بنفسه لأنه كان شديد الإيمان بفعالية الأدوية التي يختارها ويحضرها بعناية وقد قام بوصف 473 دواء بمصادرها المختلفة النباتية والحيوانية والمعدنية وكانت هناك ثلاث علاجات شهيرة عبر الأجيال خلال خمسة عشر قرناً كانت مما وصى به على الرغم من وجودها قبله وهي:
1-    اللعوق المر Hiera – Holy - Bitter – picta
2-    الطين المختوم Terrq Sigillata – Earth – Sealed
3-    الترياق Theriaca – Treacle
والترياق هو معجون مركب من عدد من المواد (نباتية، حيوانية ومعدنية) منها لحوم الأفاعي، وكان القصد منه معادلة السم الذي يمكن أن يدخل الجسم وقد توارثت الأجيال صنع الترياق وازدادت شهرته على مر السنين حتى أصبح دواءً لشفاء جميع الأمراض وكان يحضر حتى أواخر القرن الثامن عشر.

ألف جالينوس الكثير من المؤلفات بشكل مقالات حتى قيل أن عدد مؤلفاته ناهز المئات العديدة ( 400 – 500 ) ولكن لم يصل إلينا منها غير 83 مقالة، كما قدم تفسيراً لكتيب أبقراط في خمس عشرة مقالة، ومما يجدر ذكره أن الترجمة العربية هي الوحيدة الذي بقيت من هذه المؤلفات.
وأهم مؤلفات جالينوس (كتاب التشريح الكبير) وهو أهم كتبه في علم التشريح إذ بقي المرجع الأساسي لعدة قرون وكتاب علم وظائف الأعضاء وكتاب في تشريح الأوردة والشرايين وكتاب في حركة العضلات وغيرها. كذلك يمكن ذكر أهم الكتب التي ألفها في الأدوية وهي:
1-         كتاب في الأدوية المسهلة.
2-         كتاب الأدوية المفردة.
3-         كتاب الأغذية.
4-         كتاب تركيب الأدوية.
5-         كتاب الأدوية التي يسهل توفرها في كل مكان.
6-         كتاب الأدوية المقابلة للأدواء.
7-         النبض الصغير.
8-         تدبير الأصحاء.
9-         الترياق.
10- القوى الطبيعية.
11- العلل والأمراض.
12- حيلة الإبراء.
وغيرها الكثير من المؤلفات.

الفصل السادس
الرعاية الصحية في الإسلام
الضرورات الخمس التي أقرتها الشريعة الإسلامية السمحاء هي:
الدين، النفس، العقل، النسل، والمال.
إن الإسلام الدولة ملزمة بحماية هذه الضرورات في المجتمع والمحافظة عليها ليتمكن الناس من العيش بأمن وأمان وطمأنينة واستقرار ومن الأدلة على ذلك:

·   حينما أهدى المقوقس ملك مصر طبيبا للرسول محمد (ص) فانه عليه السلام أمر هذا الطبيب المصري القيام بمعالجة الناس جميعهم دون استثناء، ومجانا، ولم يثبت أن أحدا دفع أجرة مقابل المعالجة الصحية أو قيمة الأدوية اللازمة.
·        استقدم النبي (ص) الطبيب العربي ابن كلدة لتطبيب الناس.
·        مداواته عليه السلام لقوم العرنيين من القبائل العربية حينما قدموا إلى المدينة المنورة وهم مرضى، حتى شفوا.
·   أقام عليه الصلاة والسلام خيمة ثابتة في فناء المسجد النبوي لمعالجة المرضى وإسعاف الجرحى، وكان عدد من الصحابيات يقمن بهذه المعالجات الصحية، ومن أشهرهن، رفيدة بنت سعد الأسلمية رضي الله عنها. كانت خيمة متنقلة ميدانية تنصب في كل معركة من غزوات النبي (ص) وذلك لإسعاف الجرحى، وكانت الصحابيات يقمن بهذه المهمة الإنسانية الجلية حسبة لله تعالي ومن أشهرهن أم عمارة رضي الله عنها.
·   قال رسول الله (ص) من أصبح آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا. رواه الترمذي عن الصحابي الجليل عبيد الله بن محصن الأنصاري رضي الله عنهم.
·   أمر عليه الصلاة والسلام الناس بالتداوي حيث قال: " تداووا عباد الله فما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء"  أخرجه التزمذي عن الصحابي الجليل أسامة بن شريك رضي الله عنه.
·        أوصى عليه الصلاة والسلام بالحمية بدلا من استعمال الأدوية وكذلك أوصى بالصوم (وهذا أساس العلاج غير الدوائي).
·   حث عليه الصلاة والسلام على النظافة في كل شيء حيث تشمل البدن والملابس والمكان، واعتبر النظافة من الإيمان، كما نهي عن تلوث البيئة، ومنع من التبول في الماء الراكد غير الجاري.
·   عناية الإسلام بالمرأة الحامل والمرضعة والنفساء، وعنايته بالمرضى وذلك بتخفيف بعض التكاليف الشرعية عنهم في مجال الصوم والصلاة والجهاد وغيرها.
·   منعه لارتكاب الفواحش، وأن الأحاديث النبوية الشريفة قد حذرت مما يترتب على هذه الفواحش من أمراض (Sexually transmitted diseases ) فيقول عليه الصلاة والسلام. . لم تظهر الفاحشة في قوم قط  حتى يعلنوا بها، إلا تفشت فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم. رواه مالك والطبراني والبهيقي وأبو بكر الرازي عن الصحابة عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وبريدة رضي الله عنهم.
·   إن عدم توفير الطب لجميع الناس يؤدي إلى ضرر محقق وان إزالة الضرر في المجتمع من واجبات الدولة لقوله (ص) "لا ضرر ولا ضرار".

الحجر الصحي:
أقر رسولنا الأكرم (ص) مبدأ الحجر الصحي وقاية من الأمراض المعدية وظهر ذلك جليا في موضوعين، في مرض الطاعون ومرض الجذام.

قال (ص) بحق مرض الطاعون، الطاعون رجز أرسل على طائفة بني إسرائيل وعلى من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها فرارا منه. واستنادا إلى هذا الحديث الشريف فقد فرض أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحجر الصحي على مناطق في بلاد الشام وذلك حينما انتشر مرض الطاعون والذي عرف بطاعون عمواس نسبة إلى بلدة عمواس في فلسطين والتي تبعد عن مدينة القدس حوالي ثلاثين كيلومترا من الجهة الغربية والتي اكتشف مرض الطاعون أول ما اكتشف فيها.

قال عليه الصلاة والسلام بحق مرض الجذام، فرّ من المجذوم فرارك من الأسد، والمجذوم هو المصاب بمرض الجذام من الأمراض المعدية وهو عبارة عن تآكل في الأعضاء، واستندا إلى هذا الحديث النبوي الشريف فقد مر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في طريقه إلى الشام على قوم مجذومين، أي مصابين بمرض الجذام، من نصارى نجران فأمر بمعالجتهم وفرض لهم شئيا من المال وهذا يؤكد اهتمام الإسلام بمعالجة المرضى من مسلمين وغير مسلمين على حد سواء، كما ورد أن الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز الأموي قد عزل المجذومين وأمر بمعالجتهم، ويقاس على الطاعون والجذام كل مرض معد خطير.

بناء المشافي " المستشفيات" :
لقد أنشأ الخلفاء والأمراء في العصور المتعاقبة المستشفيات لمعالجة المرضى وصرف العلاج اللازم لهم رجالا ونساء من غير أجرة، أي أن العلاج يكون مجانياً، مهما كان جنسهم أو دينهم أو مذاهبهم، أغنياء وفقراء. وكان كل مستشفى من هذه المستشفيات ينقسم إلى قسمين قسم للرجال وقسم للنساء وتؤثث المستشفيات بأحسن الأثاث وتجهز بأفضل الأدوات بالإضافة إلى الغطاء والكساء والطعام والخدمة، وكانت تضم أشهر الأطباء المسلمين الذين تفوقوا على أطباء العالم وقتئذ، وكان يتولي إدارتها في معظم الأحيان أحد الأمراء أو الأشراف أو عظماء الدولة لبيان أهمية الخدمات الصحية، وللتأكيد أن الدولة ترعى الشئون الصحية. كان بعض الناس يتمارضون رغبة منهم في الدخول إلى المستشفى والتنعم بما فيها لما يجدون من عناية ورعاية ونظافة ومأكولات نظيفة رغم أنهم غير مرضى وكان الأطباء يغضون الطرف أحيانا عن هذا التحايل، وذكر المؤرخ خليل بن شاهين الظاهري بأنه زار أحد المستشفيات في دمشق 821هـ/1427م فلم يشاهد مثله في عصره، وصادف أن شخصا كان متمارضا في هذا المستشفى فكتب له الطبيب بعد ثلاثة أيام، بلباقة وأدب بأن الضيف لا يقيم فوق ثلاثة أيام، وهكذا كان وضع المشافي في العصور الزاهرة للحضارة الإسلامية في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تغط في تخلف عميق. (مقالة للدكتور الشيخ عكرمة صبري مفتي القدس. جريدة القدس العدد 11828 الجمعة 26 تموز 2002).

الفصل السابع
التطور التاريخي للمستشفيات
المستشفيات في الحضارات القديمة :

الفراعنة
تشير بعض الوثائق التاريخية في مصر إلى أن الفراعنة كانوا يستخدمون بعض معابدهم لإيواء وعلاج مرضاهم حوالي سنة 600 ق م
الإغريق
إن الطبيب الإغريقي الشهير أبوقراط 450 -370 ق. م يعتبر أول من وضع أساسيات معالجة المرضى حيث كان يعالج المرضى في المعابد الإغريقية التي اعتبرت النواة الأولى للمستشفيات الحالية أي أن تلك المعابد كانت تستخدم كدور للعبادة ولإيواء المرضى و علاجهم و كان يجري فيها العمليات الجراحية و كذالك يتم فيها تعليم الراغبين في ممارسة الطب.
بلاد الهند
يذكر المؤرخون أن حضارة بلاد الهند شهدت بناء أماكن متواضعة لإيواء المرضى وعلاجهم وإجراء الجراحات فيها منذ العام 600 ق. م وخلال فترة رئاسة الملك (أسوكا) 273-232ق. م أصبحت هناك مستشفيات متطورة في الهند وفقا لمعايير ذلك العصر وكانوا يطلقون عليها مسمى (السيكيستا Cikista ).
الإمبراطورية الرومانية
حرصت الإمبراطورية الرومانية على إنشاء أماكن لإيواء وعلاج المرضى ملحقة بالكنائس المسيحية خلال الفترة 350 -500 م، كما كانت هناك مستشفيات صغيرة لعلاج العسكريين حيث كان يتم نقل المصابين من الجنود في المعارك إلى هذه المستشفيات لتلقى العلاج وغالبا ما كانت تقام قرب الحدود وتبنى من الحجارة والخشب ومزودة بأدوات وأدوية. وفي عهد الإمبراطور قسطنطين 335م بدأ بناء المستشفيات المسيحية.
الإمبراطورية الفارسية
أنشأت الإمبراطورية الفارسية مستشفيات في مدنها الرئيسية لعلاج المرضى وكانت تسمى (بيمارستانات) وهي كلمة فارسية تعني دار المرضى، ومن أشهر هذه البيمارستانات بيمارستان جنديسابور، فعندما مرض الخليفة العباسي المنصور سنة 148هـ استدعي لمعالجته جورجيوس بن جبريل رئيس بيمارستان جنديسابور.

المستشفيات في العصر الإسلامي:
تؤكد الحقائق التاريخية أن المستشفيات التي شيدها العرب المسلمون – لا سيما في دمشق وبغداد والقاهرة- كانت سابقة لزمانها، حيث اتسمت بالتنظيم الدقيق والكفاءة وجودة الخدمة. وكان المستشفى يقسم بناء على أساس علمي طبي إلى أجنحة مفصلة للأمراض المختلفة مثل: قسم أمراض النساء, قسم أمراض العيون, قسم الجراحة, قسم معالجة الحمى وغيرها. كما يضم قسما خاصا لمعالجة الحالات الطارئة. وكان به سجلات وتقارير طبية للمرضى، ومكتبة طبية، حيث كان المستشفى يقوم بدور التعليم أيضا من خلال المكتبة والسجلات والتقارير الطبية

يقول جيسس بينا عن المستشفيات عالية الكفاءة التي شيدها المسلمون في العصر الإسلامي خلال العصور الوسطى "كانت تعد إسهاما رائعا ومتميزا للحضارة وإن المصحات النفسية والعقلية قد أنشأها المسلمون قبل أن تعرفها أوروبا بعشرة قرون"

وعندما نعود إلى التطور التاريخي للمستشفيات في العصر الإسلامي
فان " خيمة رفيدة " التي كانت في مسجد رسول الله (ص) تعتبر أول مستشفى ثابت في الإسلام، حيث كانت رفيدة تعالج فيه المرضى ومنهم سعد بن معاذ – رضي الله عنه- حيث أمرها الرسول (ص) أن تشرف على معالجته.

عصر الدولة الأموية
كما أقام عبد الله بن الزبير خيمة لعلاج المرضى والمصابين وذلك في المسجد الحرام بعد أن أعلن خروجه على الدولة الأموية.

ثم أقام الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك أول مستشفى في الشام لإيواء وعلاج المرضى وذلك عام 88هـ

كما أقام الحجاج بن يوسف الثقفي في العراق أول مستشفى هناك، وكان المستشفى بسيطا تتوفر فيه صيدلية وأطباء وخدم.

عصر الدولة العباسية
أما العصر العباسي فقد شهد ازدهارا كبيرا في الطب والاستشفاء نتيجة لحركة الترجمة الواسعة وانتشار الفتوح الإسلامية وتواصل المسلمين مع الحضارات الأخرى وخاصة الفارسية.

أقام هارون الرشيد مستشفى أشرف عليه أطباء فرس مشهورون آنذاك, كما أقام البرامكة مستشفى آخر ثم انتشرت المستشفيات التي أقامها الأهالي حتى وصل عددها  في بغداد في العهد العباسي (14) مستشفى كبيرا وكانوا يطلقون عليها اسم بيمارستان أو مارستان.

ويمكن تصنيف المستشفيات في العهد العباسي على النحو الآتي:

أولاً: المستشفيات الثابتة  
1) المستشفيات الكبيرة ( البيمارستانات):
كان المسلمون يختارون مواقع خلابة لإقامة مستشفياتهم وأكثرها أقيم على ضفاف نهري دجلة والفرات.
 
فلقد شيد بيمارستان السيدة أم المقتدر على نهر دجلة في عام 306 هجرية.

بيمارستان المقتدر على نهر دجلة في نفس العام.
  
وفي عام 317 هجرية شيد عضد الدولة البيمارستان العضدي على نهر دجلة

وهناك البيمارستان النوري في دمشق الذي بني سنة 459 هجرية.

و البيمارستان المنصوري في القاهرة،

ومارستان المنصور أبي يوسف في مراكش،

 ومارستان مكة المكرمة.

وكانوا يهتمون بجمال مناظر البيمارستانات ويستخدمون الزخارف والنقوش والنوافير والأشجار لتجميلها.

كان المسلمون يقسمون المستشفى إلى قسمين أحدهما للرجال والآخر للنساء، والي قاعات كل منها مخصص لعلاج معين، فهناك قاعة للتجبير وأخرى للمنومين، وثالثة للجراحة، ورابعة للمجانين.
يضم المستشفى صيدلية يشرف عليها صيدلي متخصص في تركيب الأدوية ويعاونه مساعدون وخدم, ويتوفر في الصيدلية كمية كافية ومتنوعة من الأدوية, ومخزن لتخزين العقاقير.
كذلك يضم المستشفى مكتبة بها كتب تتناول أمور الطب والعقاقير والأدوية. وكثيرا ما يوقف بعض المسلمين كتبهم لصالح مكتبات المستشفيات، وخير مثال على ذلك الملك نور الدين زنكي الذي أوقف عددا كبيرا من الكتب الطبية وغير الطبية في البيمارستان الذي أنشأه في القاهرة، أما سبل تمويل البيمارستانات فيتم عن طريق المقتدرين وما أوقف لها، وهناك أوقاف كثيرة رصد ريعها للنفقة على البيمارستانات.

2) مستشفى المدرسة:
أقام المسلمون مستشفيات في المدارس الكبيرة مثل المدرسة المستنصرية، تتولي هذه المستشفيات علاج العاملين بالمدرسة من مدرسين وطلاب وخدم وغيرهم. وتضم المستشفى صيدلية بها أدوية وعقاقير ويتم تركيب الدواء حسب طلب الطبيب.

3) مستشفى السجن:
انشأ المسلمون في العهد العباسي مستشفيات في السجون تتولى علاج المسجونين فيها وكذلك العاملين فيها، ولقد قام وزير الخليفة المقتدر ويدعى علي الجراح بإنشاء مستشفيات في السجون بعد أن زارها وساءه ما كان عليه حال المسجونين.

ثانياً: المستشفيات المتنقلة:
1)                مستشفى السبيل:
وهى المستشفيات التي ترافق قوافل الحجاج في ترحالهم من العراق والشام إلي بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة، وتكون مزودة عادة بالأدوية والعقاقير والأطباء والممرضين بهدف علاج المحتاجين من المشاركين في هذه القوافل. يمول هذه المستشفيات المحسنون الذين كانوا يتسابقون للمساهمة في هذه النفقات. وتعود جذور هذه المستشفيات إلى أيام معاوية بن أبي سفيان الذي أوفد الطبيب أبا الحكم الدمشقي ليشرف على ابنه يزيد ابن معاوية ومن معه في القافلة المتجهة إلى الحج، وكان مع الطبيب الدمشقي مساعدون وممرضون وأدوات وغير ذلك.

2)                المستشفى المحمول :
وهي المستشفيات التي تنتقل إلي المناطق النائية تعالج المرضى والمصابين وتزودهم بالأدوية التي يحتاجونها. ويرجع تاريخها إلى عهد الخليفة المقتدر العباسي. . . حيث قام وزيره علي الجراح بإنشاء مستشفى محمول يتنقل حيث الحاجة من مكان إلى آخر.

3)                مستشفى الجيش:
وقصد بها البيمارستانات التي ترافق الجيوش. ويكون بها طبيب أو أكثر ومساعدون وصيادلة وخدم ومعهم أدوية وأدوات وعقاقير.

ثالثاً: مستشفيات العزل:
1) دور المجذومين:
وتعود جذورها إلى عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك الذي خصص دورا خاصة لمرضى الجذام في الشام، وكذلك أقام عامله في العراق الحجاج بن يوسف الثقفي دور خاصة لعزل وعلاج المجذومين.

2) دور المجانين:
لقد رفق المسلمون بحال المجانين واعتنوا بهم وعملوا على دراسة حالتهم ومعالجتهم، وأقاموا دورا لإيوائهم ومعالجتهم من قبل أطباء يعملون بها ومعهم صيادلة وخدم. ومن هذه المستشفيات مستشفى القاهرة الذي شيده صلاح الدين الأيوبي، ودار المجانين في دمشق.

ومن أبرز سمات مستشفيات العصور الإسلامية ما يلي:
1-               اختيار موقع بيئي صحي مناسب لإقامة المستشفى.
2-               وجود مستشفيات عامة وأخرى متخصصة.
3-               الاهتمام بنظافة بيئة المستشفى الداخلية.
4-               التركيز على جودة الرعاية الطبية المقدمة للمرضى.
5-               تنظيم مزاولة مهنة الطب والصيدلة عن طريق الترخيص بواسطة الامتحان.

المستشفيات في العصر الحديث :
سمات المستشفى العصري هي:
·                    يقدم الخدمة العلاجية لمن يحتاجها.
·                    يقدم التعليم الطبي الصحي لطلاب الطب والتمريض والتخصصات الصحية الأخرى.
·                    يقدم تعليما صحيا مستمرا لجميع العاملين في المستشفى.
·                    يسهم في التثقيف الصحي للمجتمع.
·                    يقوم بالدراسات والأبحاث الطبية التي تسهم في تحسين الوضع الصحي للمجتمع.


0 التعليقات

إرسال تعليق

الأطلال يقول لك : شكراً على إثرائك لهذه المدونة